حفل الإنسانية في باريس.. أو فضاء منعش لمعسكر اليسار الفرنسي

ريبورتاج

تقام التظاهرة السنوية في دورتها التاسعة والثمانين في منطقة إيسون جنوب باريس من الثالث عشر إلى الخامس عشر سبتمبر أيلول الجاري، حيث تشرف على تنظيمها صحيفة "لومانتي" التي تحتفل هذا العام بمرور مائة والعشرين سنة على تأسيسها، وتشارك في حفل الانسانية الأحزاب والتنظيمات والجمعيات المنتمية إلى تيار اليسار من عدة الدول، لاسيما فرنسا التي تصدرت فيها "الجبهة الشعبية" واجهة المشهد السياسي. كما تخصص الفعاليات حيزا واسعا للمهرجانات الموسيقية والعروض السينمائية.

تصطف طوابيرُ طويلة أمام الأبواب المؤدية للقاعدة الجوية السابقة في منطقة إيسون، فالموعد هو حفل الإنسانية الذي يستقطب سنويا الآلاف من أنصار اليسار من فرنسا ومختلف الدول، لكن ما يلفت الانتباه في هذه دورة التاسعة والثمانين هو الحضور القوي للجبهة الشعبية، أو تحالف اليسار، من خلال الندوات يقدمها رؤساء أحزاب ونواب، فالتظاهرة هي فضاء للمقاومة وتأتي في ظرف سياسي خاص وفق وصف مسؤولي جريدة لومانتي المشرفة على تنظيم التظاهرة في الاشارة الى خلافات حول تعيين ميشال بارنييه رئيس الحكومة، هذا ما يقوله أنطوني داغي مساعد مدير النشر في هذه الصحيفة:

لقد جرى تنظيم حفل الإنسانية، في دورته هذه السنة، في خضم الانتخابات التشريعية المبكرة، وبلوغ الجبهة الشعبية صدارة النتائج، وبالتالي هو فرصة لليسار الذي عاد إلى الواجهة من أجل التصدي لما تحاول حكومة ميشال بارنييه فرضه من إصلاحات مقيدة للحريات وسياسيات التقشف، ودورُنا نحن في هذه التظاهرة أن نساعد أحزابَ اليسار على أن تتصالح وتجتمع من جديد.

يتوافد الزوار بكثرة على الخيم المنصوبة لحضور لقاءات تعنى بقضايا راهنة كأزمة المناخ، والنزاع الورسي الاوكراني، فيما تتصدر الحرب في غزة البرنامجَ من خلال محاضرات من بينها " فلسطين تندثر أمام عيون العالم"، كما يتم عرض أفلام من هذا البلد، مثل سلسلة أفلام قصيرة عن:" غزة قبل وخلال وبعد الحرب"، ما يظهر أن الوضع منذ سنوات السبعينات لم يتغير في القطاع. هذا ما تقوله مريم وهي إحدى أعضاء مهرجان سين-فلسطين المقام سنويا في العاصمة الفرنسية:

نحن نشارك في حفل الإنسانية منذ سنوات، أي قبل الحرب في غزة، وهم (المنظمون) يركزون دائما في برنامجهم على فلسطين، ويطلبون منا صورا قادمة من هناك، وهذه فرصة بالنسبة لنا أيضا للقاء جمهور قادم مختلف أنحاء فرنسا من المهتمين بالسينما وبالواقع الفلسطيني، فيشاهدون هذه الأفلام التي لا تعرض في قاعات السينما التقليدية.

ولأول مرة، يحتضن حفل الإنسانية فضاء وسائل الاعلام المستقلة، المبادرةُ ولدت في خضم تظاهرة في ساحة الجمهورية في باريس الصيف الماضي ضد اليمين المتطرف، تتحدث جوليات كاف مديرة موقع " فار- خضر" المختص في البيئة عن هذه المبادرة التي لا تشمل فقط وسائل الاعلام القريبة من معسكر اليسار:

أعتقد أننا في سياق سياسي واقتصادي واجتماعي خاص، لذلك يجب على الصحافة المستقلة أن تتحد لمواجهة عدة تحديات، خاصة حرية الصحافة، واستقلالها عن السلطة السياسية، وصمودها ماليا، أنا مبتهجة برؤية أنه بإمكان أن يكون التعاون فعالا بين مختلف وسائل الاعلام رغم اختلاف مصالحها، ولذلك أنا سعيدة بتواجدي في حفل الإنسانية اليوم.

وتماشيا مع شعاراته المدافعة عن حقوق الانسان، يستضيف حفل الإنسانية المناضلة ضد العنصرية الأفروأمريكية الشهيرة أنجيلا دافيس، كما يحتضن عددا من المواعيد الثقافية مثل توقيع كتب و عرض أفلام، وسهرات موسيقية يحييها فنانون ملتزمون ومتمردون على القوالب الفنية.