Artwork

المحتوى المقدم من أحمد حامد كِشك. يتم تحميل جميع محتويات البودكاست بما في ذلك الحلقات والرسومات وأوصاف البودكاست وتقديمها مباشرةً بواسطة أحمد حامد كِشك أو شريك منصة البودكاست الخاص بهم. إذا كنت تعتقد أن شخصًا ما يستخدم عملك المحمي بحقوق الطبع والنشر دون إذنك، فيمكنك اتباع العملية الموضحة هنا https://ar.player.fm/legal.
Player FM - تطبيق بودكاست
انتقل إلى وضع عدم الاتصال باستخدام تطبيق Player FM !

رسالة فان جوخ الأخيرة - أحمد كِشك

6:38
 
مشاركة
 

Manage episode 349426998 series 3297841
المحتوى المقدم من أحمد حامد كِشك. يتم تحميل جميع محتويات البودكاست بما في ذلك الحلقات والرسومات وأوصاف البودكاست وتقديمها مباشرةً بواسطة أحمد حامد كِشك أو شريك منصة البودكاست الخاص بهم. إذا كنت تعتقد أن شخصًا ما يستخدم عملك المحمي بحقوق الطبع والنشر دون إذنك، فيمكنك اتباع العملية الموضحة هنا https://ar.player.fm/legal.

عزيزي ثيو:

إلى أينَ تمضي الحياةُ بي؟ ما الذّي يصنَعه العَقلُ بنا؟ إنه يُفقِد الأشياءَ بهجتها ويقودُنا نحوَ الكآبة!.
.. إنّني أتعفَن مللًا لولا ريشَتي وألواني هذه، أُعيد بها خلقَ الأشياءِ من جديد.. كلّ الأشياءِ تَغدو بارِدة وباهتة بعدَما يطَؤُها الزّمن.. ماذا أصنع؟!

أريدُ أن أبتكرَ خطوطًا وألوانًا جديدة، غيرَ تلكَ التي يتعثّر بَصرُنا بها كلّ يوم. كلّ الألوانِ القديمةِ لها بريقٌ حَزينٌ في قَلبي؛ هَل هيَ كذلكَ في الطّبيعة، أم أنّ عينيّ مريضتان؟ ها أنا أعيدُ رسمَها كما أقدَح النّار الكامنة فيها.
في قلبِ المأساة ثمّة خُطوط مِن البَهجة، أريدُ لألواني أن تُظهرها؛ في “حُقول ِالغربان” و “سنابِلُ القَمح” بأعناقها الملوية، وحتى “حذاء الفلاح” الذّي يَرشح بؤسًا ثمّة فرحٌ ما أريدُ أن أقبِضَ عليه بواسطة اللون والحركة!.

للأشياء القبيحة خُصوصيّة فنيّة قد لا نَجدها في الأشياء الجَميلة وعينُ الفنانِ لا تُخطِئ ذلك. اليومَ رسمتُ صُورتي الشخصيّة، فَفي كلّ صباحٍ، عندما أنظُر إلى المرآة أقولُ لنفسي: أيّها الوَجه المُكرّر، يا وَجه فَنسانِ القبيح، لماذا لا تتَجدّد؟

أبصقُ في المرآة، وأخرج!

واليومَ قُمت بتَشكيلِ وَجهي من جديد، لا كَما أرادَته الطّبيعة، بَل، كما أريدُه أن يكون: عَينانِ ذِئبيتان بِلا قرار، وَجهٌ أخضر، ولحية كألسِنة النّار. كانت الأُذن* في اللّوحة ناشِزة، لا حاجَة بي إليها، أمسَكتُ الرّيشة، أقصِد، موس الحلاقة، وأزلتها! يَظهَر أنّ الأمرَ اختَلطَ عليّ، بَين رأسي خارِج اللّوحة وداخلها.

حسنًا ماذا سأفعلُ بتلك الكُتلة اللّحمية؟ أرسلتُها إلى المرأة التي لم تَعرف قيمتي وظَننتُ أنّي أحِبُّها؛ لا بأس فلتَجتَمع الزوائد معَ بعضِها. إليكِ أُذني أيّتها المرأةُ الثّرثارة، تحدّثي إليها! الآن أستطيعُ أن أسمَعَ وأرى بأصابعي. بَل، إنّ إصبعيَ السادِسة “الريشة”، لتستطيع أكثَر من ذلك: إنّها ترقُص وتَثِب وتُداعب بشَرة اللّوحة.

أجلسُ متأملًا:

لقد شاخَ العالَم، وكثُرَت تجاعيده، وبدأ وجهُ اللّوحة يسترخي أكثر!. آه. يا إلَهي. ماذا باستِطاعتيَ أن أفعل قبلَ أن يَهبِط اللّيلُ فوقَ بُرج الرّوح؟ الفُرشاة. الألوان. وَ… بسُرعَة أتدّاركه: ضَرباتٍ مُستقيمة وقَصيرة، حادّة ورشيقة.. ألواني واضِحة وبدائية، أصفَر أزرَق أحمَر!

أريدُ أن أعيدَ الأشياءَ إلى عفويَتها كما لو أنّ العالمَ قد خرج توًا من بيضَته الكونيّة الأولى!

مازلتُ أذكر:

كان الوقتُ غسقًا أو ما بعدَ الغسقِ وقبلَ الفجر؛ اللّون الليلكي يُبلل خطّ الأُفق. آهٍ من رعشَة الليلكي. عندما كنّا نخرجُ إلى البستان لنسرق التّوت البرّي. كنتُ مستقرًا في جوفِ الشّجرة أراقبُ دودةً خضراءَ وصفراء، بينما “أورسولا” الأكثر شقاوة تقفزُ بابتهاجٍ بينَ الأغصانِ، وفجأة، اختَلّ توازُنَها وهوَت!

ارتعشَ صدري قبلَ أن تَتعلق بعُنقي مُستنجِدة، ضممتُها إليّ وهيَ تتنفس مثل ظبيٍ مذعور. ولما تناءَت عنّي كانت حبّة توتٍ قد ترَكَت رحيقها اللّيلكي على بياضِ قميصي. مُنذ ذلكَ اليوم، عندما كُنت في الثانية عشرة وأنا أحسّ رحيقها الليلكي على بياضِ قميصي. مُنذ ذلك اليوم، عندما كنتُ في الثانية عشرة وأنا أحسّ بأن سعادةً ستغمِرني لو أنّ ثقبًا ليلكيًا انفتحَ في صدري ليتدفّق البياض. يا لرَعشَة الليلكي!

الفِكرة تلّح عليّ كثيرًا فهَل أستطيعُ ألّا أفعل؟ كامنٌ في زهرة عباد الشّمس، أيّها اللّونِ الأصفرِ يا أنا!. أمتصُ من شُعاعِ هذا الكوكَبِ البهيج. أحدّق وأحدّق في عين الشّمس حيثُ روحِ الكَون، حتى تحرقُني عيناي.

رسالة فان جوخ الأخيرة بصوت أحمد كِشك

جميع الحقوق محفوظة ©

أحمد حامد كِشك

  continue reading

13 حلقات

Artwork
iconمشاركة
 
Manage episode 349426998 series 3297841
المحتوى المقدم من أحمد حامد كِشك. يتم تحميل جميع محتويات البودكاست بما في ذلك الحلقات والرسومات وأوصاف البودكاست وتقديمها مباشرةً بواسطة أحمد حامد كِشك أو شريك منصة البودكاست الخاص بهم. إذا كنت تعتقد أن شخصًا ما يستخدم عملك المحمي بحقوق الطبع والنشر دون إذنك، فيمكنك اتباع العملية الموضحة هنا https://ar.player.fm/legal.

عزيزي ثيو:

إلى أينَ تمضي الحياةُ بي؟ ما الذّي يصنَعه العَقلُ بنا؟ إنه يُفقِد الأشياءَ بهجتها ويقودُنا نحوَ الكآبة!.
.. إنّني أتعفَن مللًا لولا ريشَتي وألواني هذه، أُعيد بها خلقَ الأشياءِ من جديد.. كلّ الأشياءِ تَغدو بارِدة وباهتة بعدَما يطَؤُها الزّمن.. ماذا أصنع؟!

أريدُ أن أبتكرَ خطوطًا وألوانًا جديدة، غيرَ تلكَ التي يتعثّر بَصرُنا بها كلّ يوم. كلّ الألوانِ القديمةِ لها بريقٌ حَزينٌ في قَلبي؛ هَل هيَ كذلكَ في الطّبيعة، أم أنّ عينيّ مريضتان؟ ها أنا أعيدُ رسمَها كما أقدَح النّار الكامنة فيها.
في قلبِ المأساة ثمّة خُطوط مِن البَهجة، أريدُ لألواني أن تُظهرها؛ في “حُقول ِالغربان” و “سنابِلُ القَمح” بأعناقها الملوية، وحتى “حذاء الفلاح” الذّي يَرشح بؤسًا ثمّة فرحٌ ما أريدُ أن أقبِضَ عليه بواسطة اللون والحركة!.

للأشياء القبيحة خُصوصيّة فنيّة قد لا نَجدها في الأشياء الجَميلة وعينُ الفنانِ لا تُخطِئ ذلك. اليومَ رسمتُ صُورتي الشخصيّة، فَفي كلّ صباحٍ، عندما أنظُر إلى المرآة أقولُ لنفسي: أيّها الوَجه المُكرّر، يا وَجه فَنسانِ القبيح، لماذا لا تتَجدّد؟

أبصقُ في المرآة، وأخرج!

واليومَ قُمت بتَشكيلِ وَجهي من جديد، لا كَما أرادَته الطّبيعة، بَل، كما أريدُه أن يكون: عَينانِ ذِئبيتان بِلا قرار، وَجهٌ أخضر، ولحية كألسِنة النّار. كانت الأُذن* في اللّوحة ناشِزة، لا حاجَة بي إليها، أمسَكتُ الرّيشة، أقصِد، موس الحلاقة، وأزلتها! يَظهَر أنّ الأمرَ اختَلطَ عليّ، بَين رأسي خارِج اللّوحة وداخلها.

حسنًا ماذا سأفعلُ بتلك الكُتلة اللّحمية؟ أرسلتُها إلى المرأة التي لم تَعرف قيمتي وظَننتُ أنّي أحِبُّها؛ لا بأس فلتَجتَمع الزوائد معَ بعضِها. إليكِ أُذني أيّتها المرأةُ الثّرثارة، تحدّثي إليها! الآن أستطيعُ أن أسمَعَ وأرى بأصابعي. بَل، إنّ إصبعيَ السادِسة “الريشة”، لتستطيع أكثَر من ذلك: إنّها ترقُص وتَثِب وتُداعب بشَرة اللّوحة.

أجلسُ متأملًا:

لقد شاخَ العالَم، وكثُرَت تجاعيده، وبدأ وجهُ اللّوحة يسترخي أكثر!. آه. يا إلَهي. ماذا باستِطاعتيَ أن أفعل قبلَ أن يَهبِط اللّيلُ فوقَ بُرج الرّوح؟ الفُرشاة. الألوان. وَ… بسُرعَة أتدّاركه: ضَرباتٍ مُستقيمة وقَصيرة، حادّة ورشيقة.. ألواني واضِحة وبدائية، أصفَر أزرَق أحمَر!

أريدُ أن أعيدَ الأشياءَ إلى عفويَتها كما لو أنّ العالمَ قد خرج توًا من بيضَته الكونيّة الأولى!

مازلتُ أذكر:

كان الوقتُ غسقًا أو ما بعدَ الغسقِ وقبلَ الفجر؛ اللّون الليلكي يُبلل خطّ الأُفق. آهٍ من رعشَة الليلكي. عندما كنّا نخرجُ إلى البستان لنسرق التّوت البرّي. كنتُ مستقرًا في جوفِ الشّجرة أراقبُ دودةً خضراءَ وصفراء، بينما “أورسولا” الأكثر شقاوة تقفزُ بابتهاجٍ بينَ الأغصانِ، وفجأة، اختَلّ توازُنَها وهوَت!

ارتعشَ صدري قبلَ أن تَتعلق بعُنقي مُستنجِدة، ضممتُها إليّ وهيَ تتنفس مثل ظبيٍ مذعور. ولما تناءَت عنّي كانت حبّة توتٍ قد ترَكَت رحيقها اللّيلكي على بياضِ قميصي. مُنذ ذلكَ اليوم، عندما كُنت في الثانية عشرة وأنا أحسّ رحيقها الليلكي على بياضِ قميصي. مُنذ ذلك اليوم، عندما كنتُ في الثانية عشرة وأنا أحسّ بأن سعادةً ستغمِرني لو أنّ ثقبًا ليلكيًا انفتحَ في صدري ليتدفّق البياض. يا لرَعشَة الليلكي!

الفِكرة تلّح عليّ كثيرًا فهَل أستطيعُ ألّا أفعل؟ كامنٌ في زهرة عباد الشّمس، أيّها اللّونِ الأصفرِ يا أنا!. أمتصُ من شُعاعِ هذا الكوكَبِ البهيج. أحدّق وأحدّق في عين الشّمس حيثُ روحِ الكَون، حتى تحرقُني عيناي.

رسالة فان جوخ الأخيرة بصوت أحمد كِشك

جميع الحقوق محفوظة ©

أحمد حامد كِشك

  continue reading

13 حلقات

كل الحلقات

×
 
Loading …

مرحبًا بك في مشغل أف ام!

يقوم برنامج مشغل أف أم بمسح الويب للحصول على بودكاست عالية الجودة لتستمتع بها الآن. إنه أفضل تطبيق بودكاست ويعمل على أجهزة اندرويد والأيفون والويب. قم بالتسجيل لمزامنة الاشتراكات عبر الأجهزة.

 

دليل مرجعي سريع